انَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ به مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 102] .
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1] .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
ففي ثنايا مطالعاتي وبحثي في روايات الموطإ واختلافاتها ، كنت أصادف عدة روايات فأجدها في طبعة محمد فؤاد عبد الباقي على خلاف ما أجمع عليه العلماء ،فراودتني الفكرة على أن أجمعها حتى تعمّ الفائدة ،مع بيان الصواب فيها بالاعتماد كذلك على مخطوطات الموطإ .والشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله قد خدم كتب السنة خدمة جليلة شهد بها القاصي والداني ، الا أنه كما ذكر العلماء لم يكن له كبير معرفة بعلم الحديث ، وهذا ما جعل نسخته من الموطإ ، والتي عرفت انتشارا كبيرا ، يشوبها ما شابها من أخطاء سواء اسنادية أو غيرها.
المثال 1:
مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَجُلَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» - أَوْ قَالَ: «إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ». الموطأ ج2 ص986
قلتُ : هكذا في نسخة عبد الباقي موصولة بزيادة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، والصواب أنها عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرسلة.
قال الامام الخشني : ترك يحيى من اسناد هذا الحديث عبد الله بن عمر.طبقات الفقهاء والمحدثين للخشني ص 357
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : "هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا وَمَا أَظُنُّ أَرْسَلَهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُهُ ".التمهيد ج5 ص169 و التقَصِّي ص 93
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا: رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا وَمَا أَظُنُّ أَرْسَلَهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُهُ وَأَحْسَبُهُ سَقَطَ لَهُ ذِكْرُ بن عُمَرَ مِنْ كِتَابِهِ.الاستذكار ج 8ص556
قَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّانِيُّ :" انفرد يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بإِرْسَالِ هذا الحديث ". الإِيمَاءُ ج 4ص546
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ :" رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْجَامِعِ، لَكِنْ أَرْسَلَهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى .اتحاف المهرة ج 8ص322
قال الامام المحدث الكاندهلوي : "ليست هذه الزيادة في النسخ الهندية و لا أكثر المصرية ، وهي وان كانت صحيحة في نفسها ، لكنها ليست بصحيحة في رواية يحيى ، فإن روايتها مرسلة ". أوجز المسالك ج 17 ص 465