موقع خاص بالتربية والتعليم - المغرب
السَّـلَامُ عَلَيْـكُمْ زائِرُنَا الْكَــرِيمُ ، يُشَرِّفُـنَا
أَنْ تَقُومَ بِالتَّسْجِيلِ لِلْمُشَارِكَةِ فِي الْمُنْتَدَى
موقع خاص بالتربية والتعليم - المغرب
السَّـلَامُ عَلَيْـكُمْ زائِرُنَا الْكَــرِيمُ ، يُشَرِّفُـنَا
أَنْ تَقُومَ بِالتَّسْجِيلِ لِلْمُشَارِكَةِ فِي الْمُنْتَدَى
موقع خاص بالتربية والتعليم - المغرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع خاص بالتربية والتعليم - المغرب

دَعْوَةٌ إِلَى الْإِصْلاَحِ وَمُرَاجَعَةِ التُّرَاثِ مِنْ أَجْلِ تَصْحِيحِهِ .
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في علوم الحديث- الشيخ عبد الله السعد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
صاحب المنتدى
صاحب المنتدى
Admin



التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين  في علوم الحديث- الشيخ عبد الله السعد Empty
مُساهمةموضوع: التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في علوم الحديث- الشيخ عبد الله السعد   التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين  في علوم الحديث- الشيخ عبد الله السعد Emptyالسبت 26 يناير 2013 - 16:41

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .

أما بعد:

فمن المتقرر اختلاف مناهج أهل العلم ، وتعدد طرائقهم في الصناعة الحديثية ، كما هو الشأن في سائر العلوم .

ولنذكر بعض نصوص أهل العلم التي فيها الإشارة إلى ذلك الاختلاف :

1_ قال أبو جعفر بن جرير في كتابه "تهذيب الآثار _ مسند علي رضي الله عنه" (ص:4) _ بعد أن ذكر الحديث الأول ([1]) _ : ( وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح ، وذلك أنه خبر لا يعرف له مخرج عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه ، والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه ، وقد حدث هذا الحديث عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة غير سفيان ، غير أن في أسانيد بعضها بعض من في نقله نظر ... ) ا.هـ .

وقال أيضا بعد أن ذكر الحديث الثاني : ( وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح، وذلك أنه خبر لا يعرف لبعض ما فيه مخرج عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم يصح إلا من هذا الوجه ) ا.هـ .

وقال أيضا بعد الحديث الثالث : ( وهذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح ، لعلل :

إحداها : ما ذكرنا من اضطرب الرواة فيه على الأعمش ، فيرويه شريك عنه عن المنهال عن عباد عن علي .

ويرويه أبو بكر بن عياش عنه عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن زهير بن الأقمر عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والثانية : أن الأعمش عندهم مدلس ، ولا يجوز عندهم من قبول خبر المدلس إلا ما قال فيه "حدثنا" أو "سمعت" وما أشبه ذلك .

والثالثة : أنهم لا يرون الحجة تثبت بنقل المنهال بن عمرو .

والرابعة : أن شريكا عندهم غير معتمد على روايته .

والخامسة : أن هذا الحديث حديث قد حدث به عن المنهال بن عمرو غير الأعمش ، فقال فيه : عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والسادسة : أن الصحاح من الأخبار وردت في ديون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواعيده بعده ، بأن الذي تولى قضاءها وإنجازها عنه أبو بكر الصديق رحمة الله عليه ... ) ا.هـ .

وقد استمر ابن جرير على هذا المنهج فيما وجد من كتابه "تهذيب الآثار" ، وهذا يدل على تباين الطرق والمسالك في الصناعة الحديثية ، وبعض ما ذكره من الاختلاف بينه وبين الآخرين الأمر فيه واسع ، ولكن بعضه يدل على اختلاف في الطريقة والمنهج بينه وبين غيره من أئمة الحديث ، خاصة لمن توسع في دراسة منهجه في ما وصلنا من كتابه "تهذيب الآثار" _ وهو كثير _ فطريقته تمثل طريقة المتأخرين ([2]) أو الفقهاء .

2_ قال أبو عبد الله الحاكم في "المدخل إلى الإكليل" (ص:47) :

( القسم الثالث من الصحيح المختلف فيه : خبر يرويه ثقة من الثقات ، عن إمام من أئمة المسلمين ، فيسنده ، ثم يرويه عنه جماعة من الثقات فيرسلونه .

ومثاله : حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سمع النداء فلم يجب ، فلا صلاة له إلا من عذر " .

هكذا رواه عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير ، وهو ثقة ، وقد وقفه سائر أصحاب سعيد بن جبير .

وهذا القسم مما يكثر ، ويستدل بهذا المثال على جملة من الأخبار المروية هكذا ، فهذه الأخبار صحيحة على مذهب الفقهاء ، فإن القول عندهم فيها قول من زاد في الإسناد أو المتن إذا كان ثقة .

فأما أئمة الحديث فإن القول فيها عندهم قول الجمهور الذي أرسلوه ، لما يخشى من الوهم على هذا الواحد ... ) ا.هـ .

فأبو عبد الله الحاكم فرق بين طريقة أهل الحديث وطريقة الفقهاء في اختلاف الوصل والإرسال ، ومثل ذلك الاختلاف الذي يقع في وقف الحديث ورفعه ، ونحو ذلك .

وهذا مرجعه إلى الاختلاف في زيادة الثقة _ سواء كانت في الإسناد أو المتن _ ، ومتى تكون مقبولة ؟ فمن تقدم من أهل الحديث لهم منهج في ذلك ، يختلف عن منهج الفقهاء والأصوليين ومن تبعهم ممن تأخر من أهل الحديث .

3_ وقال القاضي أبو يعلى في كتابه "العدة" (3/938) :

( وقد أطلق أحمد رحمه الله القول بالأخذ بالحديث الضعيف ، فقال مهنا : قال أحمد : الناس كلهم أكفاء إلا الحائك والحجام والكساح . فقيل له : تأخذ بحديث : " كل الناس ... " وأنت تضعفه ؟! فقال : إنما ضعفت إسناده ، لكن العمل عليه .

وكذلك قال في رواية ابن مشيش _ وقد سأله : عمن تحل له الصدقة ، وإلى أي شيء يذهب في هذا ؟ _ فقال : إلى حديث حكيم بن جبير . فقلت : وحكيم ثبت عندك في الحديث ؟ قال : ليس هو عندي ثبتا في الحديث .

وكذلك قال مهنا : سألت أحمد رحمه الله عن حديث : معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة ؟ قال : ليس بصحيح ، والعمل عليه ، كان عبد الرزاق يقول : عن معمر عن الزهري مرسلا ) .

قال أبو يعلى : ( معنى قول أحمد " ضعيف " على طريقة أصحاب الحديث ، لأنهم يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء ، كالإرسال والتدليس والتفرد بزيادة في الحديث لم يروها الجماعة ، وهذا موجود في كتبهم : تفرد به فلان وحده .

فقوله : "هو ضعيف " على هذا الوجه ، وقوله : " والعمل عليه " معناه : على طريقة الفقهاء ) ا.هـ .

والشاهد من هذا تفريق القاضي أبي يعلى بين منهج المحدثين ومنهج الفقهاء في الإرسال والتدليس والتفرد ، وقد انتقد منهج المحدثين في ذلك وقال : ( إنهم يضعفون بما لا يوجب التضعيف عند الفقهاء ) .

قلت : وهذا فيه نظر ، ولكن ليس هذا موضع مناقشة كلام أبي يعلى ، وإنما المقصود بيان اختلاف مناهج أهل العلم في ذلك .

4_ وقال ابن رجب في كتابه "مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة" _ كما في كتاب "سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث" ليوسف بن عبد الهادي (ص:42) ، بعد أن ذكر حديث طاوس عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم . فأمضاه عليهم _ :

( فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان :

أحدهما : وهو مسلك الإمام أحمد ومن وافقه ، ويرجع إلى الكلام في إسناد الحديث بشذوذه وانفراد طاوس به ، وأنه لم يتابع عليه ، وانفراد الراوي بالحديث وإن كان ثقة هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه ، وأن يكون شاذا ومنكرا إذا لم يرو معناه من وجه يصح ، وهذه طريقة أئمة الحديث المتقدمين ، كالإمام أحمد ويحيى القطان ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم ، وهذا الحديث لا يرويه عن ابن عباس غير طاوس ) ا.هـ .

والشاهد من كلام ابن رجب هذا أنه بَيَّن طريقة أئمة الحديث المتقدمين في التعامل مع التفرد الذي يقع في الحديث ، وأن هذا التفرد يوجب التوقف في صحة الخبر ، ويكون بذلك شاذا أو منكرا ، إلا إذا توبع أو جاء ما يشهد له ، وأن طريقة من تأخر بخلاف ذلك .

5 _ وقال أيضا في "فتح الباري" (1/362_363) _ بعد أن ذكر حديث أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ، ولا يمس ماء _ :

( وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق ، منهم إسماعيل بن أبي خالد وشعبة ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة ومسلم بن الحجاج وأبو بكر الأثرم والجوزجاني والترمذي والدارقطني .... وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ : لا يحل أن يروى هذا الحديث . يعني أنه خطأ مقطوع به ، فلا تحل روايته من دون بيان علته .

وأما الفقهاء المتأخرون فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله فظن صحته ، وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح ، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث .

ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين ، كالطحاوي والحاكم والبيهقي ) ا.هـ

ففرَّق هنا أيضا بين طريقة أئمة الحديث من السلف ، وبين طريقة المتأخرين من الفقهاء _ والذين تبعهم بعض المتأخرين من أهل الحديث _ في تعليل الأخبار ، وبين أنه لا يكفي عند الحكم على الحديث النظر إلى ظاهر إسناده وحسب ، بل لا بد من النظر في دقائق علم الحديث .

وهذا الذي نبه عليه أبو الفرج بن رجب واضح ، فكم من حديث بيَّن كبار الحفاظ علته ، ومع ذلك صحَّحه جمع ممن تأخر ([3]) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر أمثلة على ذلك .

وقد نبه أبو الفرج بن رجب في كتبه مرات عدة على طريقة السابقين ، والأئمة المتقدمين ، في مسائل أخرى من علم المصطلح .

6 _ وقال أبو إسحاق الشاطبي في كتابه "الموافقات" (1/91) _ في المقدمات التي ذكرها في بدايته ، وعددها ثلاثة عشر _ قال في المقدمة الثانية عشرة :

( من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به : أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام .... ) .

إلى أن قال (1/96) : ( فصل ، وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم عن أهله ، فلذلك طريقان :

أحدهما : المشافهة ..... والطريق الثاني : مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين ، وهو أيضا نافع في بابه بشرطين :

الأول : أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ، ومعرفة اصطلاحات أهله ، ما يتم له به النظر في الكتب ....

والشرط الثاني : أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد ، فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين ، وأصل ذلك التجربة والخبر .

أما التجربة فهو أمر مشاهد في أي علم كان ، فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما ما بلغه المتقدم ، وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري ، فأعمال المتقدمين _ في إصلاح دنياهم ودينهم _ على خلاف أعمال المتأخرين ، وعلومهم في التحقيق أقعد .

فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين ، والتابعون ليسوا كتابعيهم ، وهكذا إلى الآن ، ومن طالع سيرهم وأقوالهم وحكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى .

وأما الخبر : ففي الحديث : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " .... ) .

إلى أن قال : ( والأخبار هنا كثيرة ، وهي تدل على نقص الدين والدنيا ، وأعظم ذلك العلم ، فهو إذا في نقص بلا شك .

فلذلك صارت كتب المتقدمين وكلامهم وسيرهم أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أي نوع كان ، وخصوصا علم الشريعة ، الذي هو العروة الوثقى ، والوزر الأحمى ، وبالله تعالى التوفيق ) ا.هـ .

فبين أبو إسحاق الشاطبي أنه ينبغي لطالب العلم أن يتحرى كتب المتقدمين ، وذلك لكون المتقدمين أقعد بالعلم من غيرهم من المتأخرين ، ودليل ذلك التجربة والخبر ، وما قاله الشاطبي عام في كل العلوم ، ويدخل في ذلك علم الحديث ، والله تعالى أعلم .



* * *












فصل

وما تقدم من قول ابن جرير والحاكم وأبي يعلى وابن رجب والشاطبي وكذلك كلام غيرهم يدل على اختلاف مناهج علماء الحديث ، وتباين طرقهم في مسائله ، وهذا مطرد في سائر العلوم ، والمصيب منهم له أجران ، والمخطئ له أجر واحد ، لأن هذه المسائل اجتهادية كما هو معلوم .

والدليل الثاني الذي يدل على ذلك : اختلافهم في الحكم على الحديث تصحيحا وتضعيفا ، وقبولا وردا ، ويظهر ذلك لمن توسع في المقارنة بين أحكام المتقدمين على الأحاديث وأحكام المتأخرين ، وهذا الاختلاف مرجعه إلى أمرين :

1_ إما لعدم العلم بشيء له علاقة بتصحيح خبر بعينه أو تضعيفه ، بحيث لو علمه الطرف الآخر لوافق حكم الأول ، كالانقطاع في السند مثلا ، أو ضعف راو ، ونحو ذلك .

والاختلاف الناشئ عن هذا الأمر لا يعد من الاختلاف في المنهج ، وبالتالي ليس هو المقصود هنا ، وإنما المقصود هنا الأمر الثاني ، وهو :

2_ ما كان بسبب الاختلاف في المنهج ، وهذا هو الذي سبقت الإشارة إلى شيء منه في كلام أبي يعلى وغيره ، ويظهر هذا أيضا من خلال المقارنة بين كلام أهل العلم في الحكم على الأحاديث ، فالمقارن يجد اختلافا كبيرا بينهم في ذلك ، وهذا الاختلاف مرجعه في كثير منه إلى هذا الأمر ، ولذلك قال الذهبي في أول كتابه "الموقظة" (ص:24) :

( الحديث الصحيح هو : ما دار على عدل متقن واتصل سنده ، فإن كان مرسلا ففي الاحتجاج به اختلاف .

وزاد أهل الحديث : سلامته من الشذوذ والعلة ، وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء ، فإن كثيرا من العلل يأبونها .

فالمجمع على صحته إذا : المتصل السالم من الشذوذ والعلة ، وأن يكون رواته ذوي ضبط وعدالة وعدم تدليس ) ا.هـ ([4]) .

وقال محمَّد بن إبراهيم الوزير في كتابه "العواصم" (2/91) :

( وعامة التضعيف إنما يكون بقلة الحفظ ، وكثرة الوهم ، وللمحدثين تشديد كثير لا يوافقون عليه ، فإن المعتبر عند الأصوليين أن يكون وهم الراوي أكثر من إصابته على قول ..... أو يكون مساويا على قول الأكثرين ، وأما إذا كان وهمه أقل فإنه يجب قبوله عند الأصولين ، وليس كذلك مذهب المحدثين .... ) ا.هـ .

وهذا الذي قاله ابن الوزير فيه بعض النظر ، وليس هذا المكان محل بيان ذلك ، وإنما الشاهد منه أن كثيرا من الاختلاف الذي يقع عند الحكم على الحديث مرجعه إلى اختلاف مسالك أهل العلم ، وتباين طرائقهم في علم أصول الحديث ، ولا شك أن طريقة من تقدم من أهل الحديث هي الطريقة المثلى التي ينبغي أن يسار عليها ([5]) .

* * *

ومعرفة هذا المنهج ـ أعني منهج المتقدمين ـ في هذه المسألة وغيرها من قضايا الصناعة الحديثية أمر لا بد منه كما في باقي العلوم الشرعية (1) ؛ لأن أهل العلم ليسوا على منهج واحد في الصناعة الحديثية ، بل على مناهج متعددة ، فعلى هذا لا بد من معرفة طريقتهم ثم السير عليها.

* قال أبو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى :

(وكذا الكلام في العلل والتواريخ قد دونه أئمة الحفاظ ، وقد هجر في هذا الزمان ودرس حفظه وفهمه ، فلو لا التصانيف المتقدمة فيه لما عرف هذا العلم اليوم بالكلية ، ففي التصانيف ([6]) فيه ونقل كلام الأئمة المتقدمين مصلحة عظيمة جداً ، وقد كان السلف الصالح مع سعة حفظهم وكثرة الحفظ في زمانهم يأمرون بالكتابة للحفظ ، فكيف بزماننا هذا الذي هجرت فيه علوم سلف الأمة وأئمتها ولم يبق منها إلا ما كان منها مدوناً في الكتب لتشاغل أهل الزمان بمدارسة الآراء المتأخرة وحفظها) اهـ . من «شرح العلل» (ص: 74) بتحقيق / السامرائي.

* وقال أبو الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى مبيناً جلالة المتقدمين في هذا الفن وعلو كعبهم في هذا العلم.

(وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين ، وشدة فحصهم ، وقوة بحثهم ، وصحة نظرهم ، وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم(1) في ذلك، والتسليم لهم فيه) اهـ من «النكت» (2/726) .

* وقال أبو الوفا بن عقيل مبيناً اختلاف الفقهاء والمحدثين في الحكم على الأحاديث بعد أن ذكر حديثاً ضفعه أحمد بعد أن سئل عنه وهو حديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي e: (أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة) قال أحمد : (ليس بصحيح ، والعمل عليه ، كان عبد الرزاق يقول: عن معمر عن الزهري مرسلاً).

قال ابن عقيل: (ومعنى قول أحمد (ضعيف) على طريقة أصحاب الحديث ، وقوله (والعمل عليه) كلام فقيه يعول على ما يقوله الفقهاء من إلغاء التضعيف من المحدثين لأنهم يضعفون بما لا يوجب ضعفاً عند الفقهاء ، كالإرسال والتدليس والتفرد بالرواية ، وهذا موجود في كتبهم ، يقولون: وهذا الحديث تفرد به فلان وحده …) اهـ من «الواضح في أصول الفقه» (5/21ـ22) .

قول ابن عقيل في تفسير كلام أحمد في قوله (والعمل عليه): (كلام فقيه يعول على ما يقوله الفقهاء من إلغاء التضعيف من المحدثين …) ليس بصحيح ؛ فالإمام أحمد ضعف هذا الحديث لأن معمراً حدث به بالبصرة فأخطأ فيه ووصله ، وعندما حدث به في اليمن أرسله كما رواه عنه عبد الرزاق ، وحديث معمر باليمن أصح من حديثه بالبصرة ، وقد خالف الحفاظ من أصحاب الزهري معمراً في هذا الحديث ، ولذلك ذهب أكثر الحفاظ إلى تضعيف حديث معمر كما قال أحمد ، فقال البخاري عنه : هذا الحديث غير محفوظ. وحكم مسلم في كتابه «التمييز» على معمر بالوهم فيه ، وقال أبو زرعة وأبو حاتم: المرسل أصح. ينظر «تلخيص الحبير» (3/192) .

وأما قول أحمد : (والعمل عليه) فلا شك في هذا ؛ لأن القرآن والإجماع يدلان على ذلك ، وليس كما قال ابن عقيل أن أحمد يأخذ بقول الفقهاء في تصحيح هذا الحديث. فميز ابن عقيل بين طريقة المحدثين والفقهاء.

* وقال شيخه القاضي أبو يعلى في « إبطال التأويلات » (1/140) تعليقاً على كلام أحمد في حكمه على حديث عبد الرحمن بن عايش بالاضطراب ، قال: (فظاهر هذا الكلام من أحمد التوقف في طريقه لأجل الاختلاف فيه ، ولكن ليس هذا الكلام مما يوجب تضعيف الحديث على طريقة الفقهاء) اهـ .

والشاهد من هذا اختلاف مناهج أهل العلم في الصناعة الحديثية ، وأنهم ليسوا على منهج واحد كما يقول بعض الإخوان وأن في هذا تفريقاً للأمة ، وأنه ليس هناك من له منهج خاص في الصناعة الحديثية إلا محيي الدين النووي ، فهذا القول لاشك في بطلانه وحكايته في الحقيقة تغني عن رده .

* وقال تقي الدين ابن دقيق العيد في كتابه «الاقتراح» (ص: 152) في بيان مذاهب أهل العلم واختلاف مناهجهم في حد الحديث الصحيح ، قال: (اللفظ الأول ومداره ـ بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين ـ على عدالة الراوي العدالة المشترطة في قبول الشهادة على ما قرر في الفقه ، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسنداً ، وزاد أصحاب الحديث أن لا يكون شاذاً ولا معللاً ، وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء ، فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء ، وبمقتضى ذلك حد الحديث الصحيح بأنه: الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللاً ، ولو قيل في هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته هو كذا وكذا إلى آخره لكان حسناً ، لأن من لا يشترط مثل هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف ومن شرط الحد: أن يكون جامعاً مانعاً اهـ .

قلت: وقول ابن دقيق هذا يدل على اختلاف أهل العلم في حد الحديث الصحيح وتباين طرائقهم في ذلك كما تقدم .

وقوله: ما اشترطه أهل الحديث في حد الحديث الصحيح: أن لا يكون شاذاً ولا معللاً ، وأن في هذين الشرطين نظراً عند الفقهاء = تقدم هذا فيما قال القاضي أبو يعلى وابن عقيل من تضعيف الإمام أحمد للحديثين السابقين: أن هذا لا يجري على طريقة الفقهاء .

ولذلك قال أبو عبد الله بن القيم في « زاد المعاد » (5/96ـ97) .

وليس رواية هذا الحديث مرسلة(1) بعلة فيه ، فإنه قد روي مسنداً ومرسلاً، فإن قلنا بقول الفقهاء: إن الاتصال زيادة ومن وصله مقدم على من أرسله فظاهر ، وهذا تصرفهم في غالب الأحاديث فما بال هذا خرج عن حكم أمثاله ؟ وإن حكمنا بالإرسال كقول كثير من المحدثين فهذا مرسل قوي …)اهـ .

* وقال ابن رجب ناقداً الخطيب البغدادي في بعض منهجه في كتابه (الكفاية) في مبحث « زيادة الثقة » وأنه لم يسلك منهج من تقدم من الحفاظ وإنما سلك منهج المتكلمين وغيرهم ، فقال (ص: 312) من «شرح العلل » :

ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب «الكفاية» للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين ، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقاً كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء وهذا يخالف تصرفه في كتاب «تمييز المزيد » اهـ .

* وقال برهان الدين البقاعي في «النكت الوفية على الألفية » (ص: 99) مبيناً طريقة كبار الحفاظ في تعارض الوصل والإرسال في الحديث والرفع والوقف وزيادة الثقات وناقداً لابن الصلاح الذي خلط في هذه المسألة طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين فقال :

( إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين ، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظراً آخر لم يحكه وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه وذلك أنهم يحكمون بحكم مطرد وإنما يدورون في ذلك مع القرائن )(1) اهـ .

قلت : وقد سلك كثير من المشتغلين بعلم الحديث طريقة الفقهاء والمتكلمين من الأصوليين واختلط الأمر عليهم ، ولذلك كثرت مخالفتهم لكبار الحفاظ في أحكامهم على الأحاديث فصححوا ما أعله كبار الحفاظ وضعفوا ما صححه كبار الحفاظ .

* قال عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى في مقدمته لكتاب «الفوائد المجموعة » للشوكاني مبيناً تساهل كثير من المتأخرين في حكمهم على الأحاديث:

( إنني عندما أقرن نظري بنظر المتأخرين أجدني أرى كثيراً منهم متساهلين ، وقد يدل ذلك على أن عندي تشدداً لا أوافق عليه غير أني مع هذا كله رأيت أن أبدي ما ظهر لي ناصحاً لمن وقف عليه من أهل العلم أن يحقق النظر ولا سيما من ظفر بما لم أظفر به من الكتب التي مرت الإشارة إليها ) اهـ من المقدمة لكتاب «الفوائد المجموعة» (ص: .

وقال أيضاً في «الأنوار الكاشفة » (ص: 29) : (وتحسين المتأخرين فيه نظر) اهـ .

ولذلك تجد أن بعض أهل العلم بالحديث ينبهون على طريقة من تقدم من الحفاظ في القضايا الحديثية التي يعالجونها.

* قال أبو عبد الله بن القيم في «الفروسية» (ص: 62) مبيناً الطريقة السليمة والمنهج الصحيح الذي كان يسلكه أئمة الحديث في الحكم على الراوي وراداً على من خالف هذا المنهج فقال:

(النوع الثاني من الغلط: أن يرى الرجل قد تكلم في بعض حديثه وضعف في شيخ أو في حديث فيجعل ذلك سبباً لتعليل حديثه وتضعيفه أين وجد ، كما يفعله بعض المتأخرين من أهل الظاهر وغيرهم) اهـ.

* وقال أبو الفرج بن رجب في بيان منهج أئمة الحديث في قضية التفرد في الحديث والتفرد في بعض الألفاظ في الحديث:

( وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه أنه(1) لا يتابع عليه ، ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص ، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه) اهـ من «شرح العلل ».

* وقال أيضاً (ص: 272) من « شرح العلل » في اشتراط اللقاء حتى يحكم للخبر بالاتصال: (وأما جمهور المتقدمين فعلى ما قاله علي بن المديني والبخاري وهو القول الذي أنكره مسلم على من قاله …) اهـ .

* وقال أيضاً (ص: 311) من «شرح العلل » في مسألة الاختلاف في وصل الأخبار أو إرسالها أو تعارض الوقف مع الرفع: (وقد تكرر في هذا الكتاب ذكر الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع وكلام أحمد وغيره من الحفاظ يدور على قول الأوثق في ذلك والأحفظ أيضاً …) اهـ .

والكلام في هذا يطول.

وعلى هذا فيستحسن بيان (منهج المتقدمين) أو (أئمة الحديث) في قضايا علم الحديث التي وقع فيها خلاف مثل العلة والشذوذ والتفرد وزيادة الثقات وغيرها من القضايا ، وقد بين بحمد الله تعالى أهل العلم هذه القضايا ، فدونك مثلاً «شرح العلل» لابن رجب ، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر وغيرها.

والله ولي التوفيق.

* * *





([1]) الأول بالنسبة لما وجد من كتابه هذا .

([2]) أي بالنسبة إلى شعبة بن الحجاج أو يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد وابن معين وابن المديني والبخاري ويعقوب بن شيبة وغيرهم ممن تقدمه .

([3]) وليس معنى هذا أن أكثر المتأخرين ليس عندهم اهتمام بعلم العلل ، وإنما المقصود أن طريقتهم في التعليل فيها بعض المخالفة لطريقة من تقدم ، وأنهم عندهم شيء من التساهل في ذلك .

([4]) سبق الذهبي إلى هذا الكلام شيخُه ابنُ دقيق العيد في "الاقتراح" ، و"الموقظة" اختصار لـ "الاقتراح" ، ولكن ما قاله الذهبي هنا لا شك أنه يرى صحته ، ولذلك جزم به ، ولم ينسبه لأحد .

([5]) وليس معنى هذا أنهم لم يختلفوا في شيء من المنهج ، فهذا الظن غير صحيح ، فقد اختلفوا ولكنهم متفقون في أكثر قضايا علم الحديث ، فأصبحوا يمثلون منهجا واحدا متقاربا ، ولذلك صح أن يقال : منهج من تقدم من أهل الحديث ، أو : منهج أهل الحديث _ كما تقدم في كلام بعض أهل العلم _ ، وما اختلفوا فيه يؤخذ فيه بما دل عليه الدليل .

(1) مثل ما حصل في باب الاعتقاد من مخالفة الكثير لطريقة السلف في (علم التوحيد) وتكلموا في ذات الله وصفاته بأدلة العقول وتركوا الكتاب والسنة فأدى هذا بهم إلى إنكار أسماء الله وصفاته وعلوه على خلقه فضلوا وأضلوا.

ومثل ما حصل أيضاً في أبواب الفقه من التعصب لأقوال العلماء والاقتصار عليها في التفقه دون التفقه على الكتاب والسنة والرجوع إليهما ، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (عجبت لمن عرف الإسناد وصحته يذهب إلى قول سفيان).

وقال أبو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى : (ومن ذلك ـ أعني محدثات العلوم ـ ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية ورد فروع الفقه إليها سواء خالفت السنن أو وافقتها طرداً لتلك القواعد المقررة ، وإن كان أصلها مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة ، لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيها ؛ وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام على من أنكروه من فقهاء الرأي في الحجاز والعراق وبالغوا في ذمه وإنكاره.

فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولاً به عند الصحابة ومن بعدهم أو عند طائفة منهم ، فأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به ...) اهـ (من فضل علم السلف على الخلف).

ومن ذلك ما حصل في علم أصول الفقه من سلوك طريقة المتكلمين وإدخال علم الكلام المذموم في أصول الفقه.

قال أبو المظفر السمعاني في (قواطع الأدلة) 1/5-6: (وما زلت طول أيامي أطالع تصانيف الأصحاب في هذا الباب وتصانيف غيرهم ، فرأيت أكثرهم قد قنع بظاهر من الكلام ورائق من العبارة ، ولم يداخل حقيقة الأصول على ما يوافق معاني الفقه ، ورأيت بعضهم قد أوغل وحلل وداخل غير أنه حاد عن محجة الفقهاء في كثير من المسائل ، وسلك طريقة المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه ، بل لا قبيل لهم فيه ولا دبير ولا نقير ولا قطمير (ومن تشبع بما لم يعط فقد لبس ثوبي زور… ) اهـ .

وغير ذلك مما خالف فيه كثير من الناس طريقة السلف ، وما زال أهل العلم ـ بحمد الله تعالى ـ ينبهون على ذلك ويدعون إلى السير على منهج السلف الصالح .

ولا يظن أنني عندما أدعو إلى السير على طريقة الأئمة المتقدمين في علم أصول الحديث أنني أدعو إلى عدم الأخذ بكلام من تأخر من أهل العلم والاستفادة منهم ، هذا لم أقل به ولا يقول به عاقل ، ومع الأسف ظن بعض الإخوان هذا ، ثم عندما ظن هذا الظن السيئ وتخيل بعقله هذا الرأي الفاسد أخذ يرد بسذاجة واضحة على هذا القول حتى إنه عندما أراد أن يؤيد رأيه ضرب مثلاً بأبي الفداء ابن كثير وأتى بمثال يبين فيه أن ابن كثير يستطيع أن ينقد الأخبار ويبين العلل التي تقدح في صحة الحديث!!

فيا سبحان الله! هل هذا الإمام الجليل ، والحافظ الكبير يحتاج إلى أن نأتي بمثال حتى يشهد له بالعلم بالحديث ؟ ومؤلفاته كلها تشهد بعلو كعبه في هذا العلم وتمكنه من صناعة الحديث حتى كأن السنة بين عينيه ، حتى أن طالب العلم ليعجب من هذا العالم الجليل عندما يسوق الأخبار من كتب الحديث بأسانيدها ثم يؤلف بينها ويتشبه في هذا بمسلم بن الحجاج وأبي عبد الرحمن النسائي هذا مع الكلام على أسانيدها ونقد متونها ، وهو رحمه الله تعالى من البارعين في نقد المتون ، حتى إنه عندما يتكلم في باب من أبواب العلم يغنيك عن الرجوع إلى كتب كثيرة ، كما فعل عندما ساق حجة الرسول صلى الله عليه وسلم منذ خروجه من المدينة إلى مكة إلى رجوعه ، ويأخذك العجب من استحضاره وقوة علمه وجلالة فضله ، وهذا جزء يسير من كتابة النفيس (البداية والنهاية) الذي ذكر فيه بدء الخليقة إلى قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى زمنه يسوق النصوص من كتاب الله ومن السنة النبوية ومما جاء عن الصحابة والتابعين وهلم جرا. وتفسيره النفيس الذي أتى فيه بالعجب وفسر فيه القرآن بالقرآن ، وبالسنة والآثار التي جاءت عن الصحابة والتابعين.

فمن أنكر علم هذا الفاضل إما أن يكون إنساناً غاية في البلادة أو ممن أعمى الله بصره وبصيرته ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ومما يستغرب من هؤلاء الإخوان أنهم قالوا: لا تقولوا (مذهب المتقدمين) وهذا عجيب لأنه :

أولاً: لا مشاحة في الاصطلاح.

ثانياً: أن أهل العلم استخدموا ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى النقل عنهم.

ثالثاً: أن هذا الاسم مطابق للمسمى كما هو ظاهر.

رابعاً: أي فرق بين أن يقال (مذهب المتقدمين) أو (أهل الحديث) أو (أئمة الحديث) أو نحو ذلك؟

خامساً: إن هذه الكلمة لا تخالف كتاباً ولا سنة ولا إجماعاً ، وإنما هو اصطلاح مثل باقي الاصطلاحات ، لا يدعو إلى مثل هذا الإنكار الذي جرى من هؤلاء الإخوان ، والعجيب أيضاً أن هؤلاء الإخوان أخذوا يدعون إلى مثل ما نقول به ، فقالوا: ينبغي دراسة مناهج المحدثين. وأي فرق بين الدعوة إلى دراسة (مناهج المحدثين) أو دراسة (منهج المتقدمين) ، فالأول هو الثاني ولا فرق ، وإن كان فرق عندهم فليبينوه ، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(([6] في طبعة العتر ( ص : 421 ) التصنيف .

(1) الذي يظهر أن الحافظ ابن حجر لا يقصد التقليد الأعمى وإنما يقصد المتابعة لهم والسير على مناهجهم.

(1) كذا .

(1) بعض الكلمات كانت غير واضحة – بالنسبة لي – في المخطوط فنقلتها من (توضيح الأفكار).

(1) في المطبوع: أن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التباين المنهجي بين المتقدمين والمتأخرين في علوم الحديث- الشيخ عبد الله السعد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تدليس رواة الحديث وأنواعه - الشيخ عبد الله السعد
» حكم الأضحية - الشيخ عبد الله السعد
» عدد الحديث الصحيح - الشيخ محمد الأمين
» التفضيل بين أئمة رجال الحديث - الشيخ محمد الأمين
» محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه -بقلم الشيخ عائض القرني حفظه الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع خاص بالتربية والتعليم - المغرب :: أَقْسَامُ الْمُنْتَدَى :: الْحَدِيثُ النَّبَوِيُّ الشَّرِيفُ-
انتقل الى: